الحرب الروسية الاوكرانيه وخطأ الحسابات  واستنساخ للتاريخ

الحرب الروسية الاوكرانيه وخطأ الحسابات  واستنساخ للتاريخ

  • الحرب الروسية الاوكرانيه وخطأ الحسابات  واستنساخ للتاريخ

اخرى قبل 2 سنة

 

الحرب الروسية الاوكرانيه وخطأ الحسابات  واستنساخ للتاريخ

إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله

 

يبدوا من مجريات وتطور الأحداث التي قادت لإشعال فتيل الحرب  بين روسيا ومحورها من جهة وبين أوكرانيا وحلف الناتو بحيث لم تأخذ الأطراف المتصارعة العبر من الماضي ومن التاريخ ، حقا أن أوكرانيا بفعل الدعم لحلف الناتو ، أظهرت مقاومة شرسة خلال الأسبوع الأول من انطلاق الغزو الروسي لهذا البلد، قد تكون  فاقت  التوقعات ، ولكن  لا تزال هذه المراحل الأولى لما يمكن أن تكون حرباً دامية للغاية قد تغير من موازين القوى العالمية

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تم توقيع صلح ﭬرساي بين الحلفاء وألمانيا، وفرض الحلفاء على ألمانيا في هذا الصلح نظاماً غير مسبوق للعقوبات والتعويضات، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، التنازل عن إقليم الألزاس واللورين وتوريد كميات كبيرة من الفحم وغير ذلك من العقوبات القاسية، والتي بلغ من قسوتها أن اللورد كينز الاقتصادي المعروف كان قد انسحب من مفاوضات الصلح، احتجاجاً على قسوة هذه العقوبات، قائلاً: "يا إلهي، كيف يمكن لبلد مهزوم الوفاء بهذه المطالب، الأرجح أن الغرض من فرض هذه العقوبات كان إذلال ألمانيا بما فيه الكفاية وتقييد قدرتها على النهوض مرة أخرى". وها هي امريكا والغرب ممثلا في حلف الناتوا يستنسخ التاريخ ظنا أن بمقدورهم عبر العقوبات املاء الشروط على روسيا

العقوبات التي فرضها صلح ﭬرساي على ألمانيا  كانت الدافع للحزب النازي من أجل إعادة بناء ألمانيا، وايثار ألنزعه القومية والعرقية الألمانية، إلى أن انتهى الأمر بصعود الحزب النازي والأيديولوجية النازية إلى قمة السلطة، وعودة القوة الألمانية إلى المسرح الأوروبي وبدء الحرب العالمية الثانية.

أمريكا والغرب لم يتوف عندها حلف الأطلسي   ولم يستخلصوا العبر ودلالاتها بسبب غياب الحكمة والتعقل، فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية وبدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر  يشبه إلى حد كبير الحالة الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى، أي إمعان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين من أعضاء حلف الناتو، في التمادي في إذلال روسيا وتحجميها وإخضاعها لمطالبهم، من خلال التفكير بضم أوكرانيا إلى الحلف ودعم النظام الحاكم للسير في هذا الاتجاه.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق و استقلال  16 جمهورية انسلخت عن الاتحاد السوفيتي  من بينها أوكرانيا، وحل حلف وارسو، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الحلف الأطلسي، بعدم تمدد الحلف شرقاً في بلدان أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن بمرور الزمن تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هذه التعهدات، وتمدد الحلف إلى جمهورية التشكيك وبولندا ودول البلطيق، وحرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أوكرانيا على الانضمام إلى هذا الحلف، وهو ما أثار حفيظة روسيا الاتحادية؛ بسبب التهديد المباشر لأمنها القومي ومصالحها الذي يمثله انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي وتواجد قواعد عسكرية وصواريخ موجهة لروسيا من أوكرانيا، وطالبت روسيا بضمانات أمنية للحيلوله  دون انضمام أوكرانيا وضرورة إرساء مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة أي أمن روسيا وأمن أوروبا على حد سواء، وذلك مقابل تعهد روسيا بعدم غزو أوكرانيا.

ونحن نقلب صفحات التاريخ تعود بنا الذاكرة إلى أزمة الكاريبي  1962 والتي تعرف أزمة الصواريخ الروسية ، ، التي نصبت في كوبا على بعد 90 ميلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح العالم ثنائي القطبية آنذاك على شفا حرب عالمية ثالثة نووية، في إطار الردع المتبادل بين القطبين، ولولا  حكمة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي ونظيره السوفييتي نيكيتا خروتشوف ، واتفافهما على سحب الصواريخ السوفيتية مقابل تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بعدم غزو كوبا، لكان الوضع قد انفجر في ذلك الوقت على نحو خطير.

 في الحرب الحالية التي تشنها روسيا على أوكرانيا  يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ليس جون كنيدي كما أن الرئيس الروسي الحالي فيلاديمير بوتين ليس خروتشوف، ففي حين كان كنيدى الزعيم الأمريكي يدرك تحول النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من حلف الناتو وبين الاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه من حلف وارسو؛ فإن بايدن  وحلفائه في حلف الأطلسي يعتقدان منذ انهيار  الاتحاد السوفيتي أن النظام الدولي نظام قطبي تنفرد في حكمه وإدارته الولايات المتحدة الامريكيه  ، وما يزال بايدن يعتقد في استمرار هذه الأحادية القطبية رغم صعود الصين وروسيا الاتحادية وتآكل النفوذ   الأمريكي وتغير في موازين القوى بعد صعود روسيا والصين لتتصدر مكانتهما في النظام الدولي . وان روسيا اليوم بقيادة بوتن تنزع إلى القومية لروسيا ومصالحها في آسيا وأوروبا والعالم. وهنا تكمن خطأ حسابات أمريكا وحلف الأطلسي في اخذ العبر من التاريخ  

أزمة الصواريخ الكوبية: حكاية 13 يوما كان العالم خلالها على شفا حرب نووية

التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا في البيت الأبيض بمجموعة من المحاربين القدماء الذين شاركوا في عملية "خليج الخنازير" حيث قام بتكريمهم، وألقى كلمة وجه فيها الشكر لهم، مشيرا إلى أنه تشرف بتلقي جائزة اتحاد محاربي خليج الخنازير في عام 2016.

وقد كرر ترامب هذا التصريح في وقت لاحق خلال لقائه بناخبين ذوي الأصول اللاتينية كما غرد أيضا متحدثا عن هذا الأمر، وقد تقصت صحيفة الإندبندنت البريطانية حقيقة هذه الجائزة وانتهت إلى أنها غير موجودة.

وقالت الإندبندنت إن صحيفة ميامي هيرالد وصفت ما حصل عليه ترامب في عام 2016 بأنه "درع ذو إطار ذهبي للعلم الكوبي يحيط بصليب أبيض"، مشيرة إلى أن الصحيفة خلصت إلى أن هذا الدرع ليست الجائزة التي يتحدث عنها ترامب.

ولكن ما هي عملية "خليج الخنازير" التي أفضت إلى أخطر أزمة خلال الحرب الباردة والتي كادت تؤدي إلى حرب نووية؟

ففي مثل هذا الوقت من أكتوبر/تشرين الأول عام 1962 اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية التي ربما كانت البؤرة الأكثر سخونة في الحرب الباردة، فقد بدا العالم وكأنه على شفا حرب نووية لمدة 13 يوما في ذلك الشهر من عام 1962

خلفية

كوبا جزيرة تقع على بعد 90 ميلا فقط من ساحل فلوريدا، وحتى عام 1959 كانت كوبا متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة تحت قيادة الديكتاتور اليميني الجنرال باتيستا، وكان هناك استثمار أمريكي كبير في كوبا، والولايات المتحدة كانت المستهلك الرئيسي لما تنتجه كوبا من سكر وتبغ.

وفي عام 1959 تمت الإطاحة بباتيستا في ثورة قادها فيدل كاسترو، وكانت إحدى أولى خطوات كاسترو هي الذهاب إلى الولايات المتحدة لتأمين دعم واشنطن، لكن الرئيس أيزنهاور رفض التحدث معه.

وفي مكتب الأمم المتحدة في نيويورك تحدث كاسترو مع ممثلي الاتحاد السوفيتي الذين عرضوا دعمهم لحكومته الجديدة.

ولم يكن كاسترو شيوعيا قبل عام 1960 لكنه انجذب إلى الشيوعية من خلال الصد رد الفعل الأمريكي على الثورة الكوبية

وعلى أثر ذلك اتخذت الولايات المتحدة هذه الخطوات:

•           الحظر التجاري: فرضت الولايات المتحدة حظرا تجاريا على السلع الكوبية، وحرمت الكوبيين من سوق للسكر والتبغ والدخل لاستيراد النفط والسلع الأساسية الأخرى.

•           خليج الخنازير: في أبريل/نيسان عام 1961 وبعد تنصيبه مباشرة رئيسا للولايات المتحدة، وافق جون كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بالحكم.

وأنزلت المخابرات المركزية الأمريكية 1400 من المنفيين الكوبيين في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.

 

اقة والدعم الذي قدمه الزعيم السوفيتي خروتشوف وحكومته.

وفي اللحظة الأخيرة تقريبا، ألغى كينيدي أمرا كان قد وعد به المقاومة الكوبية وهو دعم القوات الجوية الأمريكية لهجومهم، وقد أدى الافتقار إلى الدعم الجوي إلى هزيمة المتمردين بسهولة عندما واجههم 20 ألف جندي كوبي مدججين بالسلاح، وتم اعتقال المتمردين جميعا أو قتلوا.

وقد أدى فشل عملية "خليج الخنازير" إلى تعزيز مركز كاسترو الذي اتفق مع السوفيت على نشر صواريخ متوسطة المدى على أراضي بلاده لردع واشنطن عن التفكير في أي محاولة أخرى لغزو الجزيرة وقلب نظام الحكم الشيوعي فيها. وبذلك صارت كوبا قاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي.

اكتشاف الصواريخ

في 14 أكتوبر/تشرين الأول عام 1962 التقطت طائرة تجسس أمريكية تحلق فوق كوبا صورا تظهر بناء مواقع إطلاق الصواريخ السوفيتية.

وقدر الخبراء أنها ستكون جاهزة للعمل في غضون 7 أيام. وفي غضون ذلك، اكتشفت طائرة تجسس أمريكية أخرى 20 سفينة سوفيتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا.

وتبعد كوبا 90 ميلا فقط عن ساحل فلوريدا مما يعني أن الولايات المتحدة، بما في ذلك العديد من أكبر مدنها مثل واشنطن العاصمة ونيويورك، ستكون ضمن مدى هذه الصواريخ. لقد كانت حياة 80 مليون أمريكي على المحك.

موقف الاتحاد السوفيتي

كان الاتحاد السوفيتي يسعى لتحقيق الأهداف التالية:

•           سد الفجوة الصاروخية: كان الزعيم السوفيتي خروتشوف يعلم أن الولايات المتحدة تمتلك صواريخ نووية متوسطة وطويلة المدى تستهدف الاتحاد السوفيتي متمركزة في تركيا، فقط على "أعتاب" الاتحاد السوفيتي. وربما كان خروتشوف يتطلع للحصول على أداة مساومة في المفاوضات حول برلين.

•           السياسة الداخلية: أراد خروتشوف تقوية موقعه السياسي في الاتحاد السوفيتي وأن يظهر لحكومته أنه لم يكن لينا مع أمريكا.

•           حماية كوبا: أراد خروتشوف دعم الدولة الشيوعية الجديدة في "حديقة العم سام الخلفية"، والتأكد من أن الأمريكيين لن يحاولوا القيام بعملية أخرى مثل خليج الخنازير للإطاحة بكاسترو.

مأزق كينيدي

بعد محادثات مع فريق مستشاريه، واجه كينيدي مجموعة من الخيارات للتعامل مع التهديد السوفيتي في كوبا:

• تجاهل الصواريخ

• إشراك الأمم المتحدة

• حصار كوبا

• الغزو البري أو شن هجمات جوية

وقبل كل شيء، كان كينيدي بحاجة إلى الظهور بمظهر قوي مع ضمان عدم تفاقم التوتر وتصاعده إلى حرب نووية.

وكان قرار كينيدي الأخير هو حصار الولايات المتحدة لكوبا، والذي أطلق عليه كينيدي "منطقة الحجر الصحي"، والذي يمكن أن يوقف المزيد من الصواريخ السوفيتية القادمة إلى كوبا مما يمنحه الوقت للتفاوض مع السوفييت.

التسلسل الزمني للحصار البحري

•           22 أكتوبر/تشرين الأول: كينيدي يفرض حصارا بحريا على كوبا لمنع السفن السوفيتية المشتبه في حملها صواريخ نووية من الوصول إلى الجزيرة.

•           23 أكتوبر/تشرين الأول: كينيدي يتلقى رسالة من خروتشوف يقول فيها إن السفن السوفيتية لن تتوقف عند الحصار، لكنها ستشق طريقها.

•           24 أكتوبر/تشرين الأول: على الرغم من "كلام خروتشوف القاسي"، عادت السفن العشرين التي تقترب من الحصار أدراجها (على الأرجح لتجنب المواجهة المباشرة مع البحرية الأمريكية).

•           25 أكتوبر / تشرين الأول: أفادت طائرات تجسس أمريكية بزيادة وتيرة أعمال البناء في مواقع إطلاق الصواريخ في كوبا.

•           26 أكتوبر/تشرين الأول: تلقى كينيدي رسالة من خروتشوف يعد فيها بإزالة مواقع إطلاق الصواريخ إذا وافقت الولايات المتحدة على رفع الحصار ووعدت بعدم غزو كوبا.

•           27 أكتوبر/تشرين الأول: رسالة ثانية من خروتشوف تقول إن مواقع الإطلاق ستتم إزالتها فقط إذا أزالت الولايات المتحدة صواريخها في تركيا، وقد اختار كينيدي الرد فقط على البرقية الأولى بينما عرض بشكل خاص النظر في إزالة الصواريخ من تركيا.

•           28 أكتوبر/تشرين الأول: في رسالة عامة إلى الرئيس كينيدي أذيعت على راديو موسكو، وافق خروتشوف على إزالة جميع الصواريخ من كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوفيتي.

نتائج أزمة الصواريخ الكوبية

أدت هذه الأزمة للنتائج التالية:

•           اعتبر الجانبان أنهما حققا النصر: فقد أنقذ خروتشوف النظام الشيوعي في كوبا من غزو الولايات المتحدة، وتفاوض على صفقة مع الولايات المتحدة بشأن إزالة صواريخ جوبيتر الخاصة بهم في تركيا. ومن جانبه، حافظ كينيدي على وعده الانتخابي ووقف في وجه الاتحاد السوفيتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.

•           من أجل ضمان سهولة الاتصال بين واشنطن وموسكو في حالة نشوب صراع في المستقبل، تم إنشاء خط ساخن يوفر اتصالا هاتفيا مباشرا بين البيت الأبيض والكرملين.

•           أدرك كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية أنهما كانا على شفا حرب نووية ودخلا في محادثات أدت في النهاية إلى معاهدة حظر التجارب عام 1963 والتي بدأت عملية إنهاء تجارب الأسلحة النووية.

•           على المدى الطويل، قد تكون الأزمة أوجدت استعدادا لدى الجانبين للدخول في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت) في وقت لاحق في الستينيات، وفي المعاهدة سالت 1 تم التوصل إلى اتفاق بعدم تصنيع أي صواريخ بالستية عابرة للقارات.

في المواجهة الراهنة في أوكرانيا، يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ليس جون كنيدي كما أن الرئيس الروسي الحالي فيلاديمير بوتين ليس خروتشوف، ففي حين كان كنيدى الزعيم الأمريكي يدرك تحول النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من حلف الناتو وبين الاتحاد السوفييتى السابق وحلفائه من حلف وارسو؛ فإن بايدن والولايات المتحدة الأمريكية يعتقدان منذ انهيار القطب السوفييتي أن النظام الدولي أحادي تنفرد بقيادته وإدارته الولايات المتحدة الأمريكية، وما يزال بايدن يعتقد في استمرار هذه الأحادية القطبية رغم صعود الصين وروسيا الاتحادية وتآكل النفوذ والقوة الأمريكية. كما أن خروتشوف في الحالة السوفيتية كان يقف على رأس القوة العظمي الثانية في النظام الدولي، ويشغل مكانة القطب الثاني في التفاعلات الدولية، في حين أن فلاديمير بوتين على رأس روسيا الاتحادية منذ انهيار المنظومة السوفيتية وتحول الجمهوريات التي كانت تشكلها إلى دول مستقلة، حاول إنقاذ روسيا من الفساد والمافيات واستعادة قوتها مرة أخرى وضمان أمنها ومصالحها القومية في الدائرة الأوروبية وفي العالم، وإذا كانت روسيا الاتحادية، وبوتين على رأسها لا يطمحان إلى استعادة مجدها الأيديولوجي السابق، فإنهما يتمسكان بالطموحات القومية لروسيا ومصالحها في آسيا وأوروبا والعالم.

روسيا والغرب والتوترات القائمه بينهما حسب تسلسل الاحداث

التوترات الأخيرة بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى ليست سوى نتيجة لمقدمات سبقتها قبل نحو 15 عاما من الآن.

منذ إلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه الشهير في مؤتمر ميونخ للأمن عام 2007، شهدت العلاقات بين موسكو والغرب تدهورا ملموسا، ووصلت في نهاية المطاف إلى شفا حرب باردة جديدة.

مؤتمر ميونخ

ـ العاشر من فبراير/شباط 2007: وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه أمام مؤتمر ميونخ انتقادات شديدة إلى الغرب، وأكد أن نموذجا أحادي القطب لم يعد ممكنا في العالم المعاصر.

ـ حمل بوتين في خطابه الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية المسؤولية عن محاولة فرض معايير خاصة بها على دول أخرى، مشددا على ضرورة أن يكون ميثاق الأمم المتحدة الآلية الوحيدة لتبني قرارات بشأن تفويض استخدام قوة عسكرية

ـ حذر بوتين من استمرار تمدد حلف الناتو صوب حدود روسيا.

ـ أبريل/نيسان 2008: في قمته بالعاصمة الرومانية بوخارست تعهد حلف الناتو رسميا بمنح كل من جورجيا وأوكرانيا العضوية فيه، عندما "تتوافقان مع معايير الحلف".

ـ استدعى هذا الإعلان انتقادات شديدة من قبل موسكو، حيث حذر رئيس هيئة الأركان الروسي حينئذ يوري بالويفسكي من أن موسكو في حال تطبيق هذه الوعود ستضطر إلى اتخاذ "إجراءات عسكرية وأخرى لضمان مصالحها قرب حدودها".

النزاع في أوسيتيا الجنوبية

ـ الثامن من أغسطس/آب 2008: شنت جورجيا هجوما على أوسيتيا الجنوبية، وحاولت فرض السيطرة على الجمهورية التي تعتبرها جورجيا جزءا من أراضيها.

ـ أعلن الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف إطلاق "عملية عسكرية لتطبيق السلام" في منطقة النزاع.

ـ 12 أغسطس/آب 2008: طرد الجيش الروسي القوات الجورجية من أراضي أوسيتيا الجنوبية وجمهورية أبخازيا، وسيطر على عدد من البلدات والمدن الجورجية.

ـ 16 أغسطس/آب 2008: وقع ميدفيديف مع رئيسي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا والرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي على خطة لتسوية النزاع.

ـ خلال الحرب وقف الغرب إلى جانب جورجيا، غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يقدموا دعما عسكريا إلى حكومة ساكاشفيلي.

ـ أعرب لاحقا مسؤولون روس كبار -منهم بوتين- عن قناعتهم بوقوف الجمهوريين في البيت الأبيض وراء تخطيط الهجوم الجورجي، بهدف رفع مستوى شعبية المرشح الجمهوري بالانتخابات القادمة -في ذلك الوقت- جون ماكين.

ـ أبريل/نيسان 2009: انضمت ألبانيا وكرواتيا إلى حلف الناتو بالموجة السادسة من توسع حلف شمال الأطلسي.

ـ ديسمبر/كانون الأول 2010: تبنت الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن والتعاون في أوروبا -منها الولايات المتحدة وروسيا- بقمتها في أستانا، بيانا أعربت فيه عن التزامها بـ"ميثاق الأمن الأوروبي" المنصوص عليه ضمن "وثيقة إسطنبول" التي تبنتها المنظمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1999.

حرب ليبيا

ـ مارس/آذار 2011: انتقد بوتين -الذي كان يتولى منصب رئيس الوزراء الروسي في هذه الفترة بشدة- قرار مجلس الأمن الدولي الذي فوض تدخل دول الغرب في ليبيا، واصفا إياه بأنه "بمثابة دعوة إلى حرب صليبية".

ـ فبراير/شباط 2012: استخدمت روسيا حق الفيديو في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار قاض بتفويض حملة عسكرية غربية في سوريا مماثلة لتلك التي جرت في ليبيا.

ـ سبتمبر/أيلول 2015: أعلنت روسيا التدخل عسكريا في سوريا لدعم نظام بشار الأسد.

ـ أصبحت جلسات مجلس الأمن الدولي خلال السنوات الأخيرة مرارا وتكرارا ساحة لمشادة حادة بين روسيا والغرب بشأن ملف سوريا الكيميائي.

ـ ديسمبر/كانون الأول 2012: تصاعدت التوترات بين موسكو وواشنطن بسبب تبني الولايات المتحدة في النسخة الأولى من "قانون ماغنيتسكي" القاضي بفرض عقوبات على "أشخاص مسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان ومبدأ سيادة القانون" في روسيا.

ـ أغسطس/آب 2013: شهدت العلاقات الروسية الأميركية توترا ملموسا، حيث تم إلغاء زيارة مقررة لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما إلى موسكو بسبب منح روسيا حق اللجوء للعميل السابق في وكالتي المخابرات المركزية والأمن القومي الأميركيتين إدوارد سنودن الذي تتهمه واشنطن بتسريب وثائق حساسة سلطت الضوء على تنصت حكومة الولايات المتحدة على مواطني العديد من الدول.

أزمة أوكرانيا

ـ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013: بدأت الأزمة في أوكرانيا عندما علق رئيسها الموالي لروسيا آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

ـ شهدت العاصمة الأوكرانية احتجاجات واسعة النطاق واحتكاكات بين حركات انفصالية والقوات النظامية الأوكرانية.

ـ اجتاحت الاضطرابات بعض المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا والتي كان يقطنها غالبية من المواطنين المتحدثين بالروسية، والذين استمد يانوكوفيتش معظم دعمه منهم.

ـ 22 فبراير/شباط 2014: ثورة الاحتجاجات الجماهيرية من مؤيدي الاتفاقية أطاحت بالرئيس، الذي تم عزله وفرّ خارج البلاد.

ـ 23 فبراير/شباط 2014: تولى منصب الرئيس بالوكالة رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف، وهو سياسي وكاتب سيناريو واقتصادي.

ـ مارس/آذار 2014: بعد غزو روسيا مناطق أوكرانية نشأت أزمة سياسية أخرى، إذ ضمت منطقة القرم الأوكرانية المتمتعة بحكم ذاتي، وهو ما رفضه الغرب.

ـ علق وزير الخارجية الأميركي حينئذ جون كيري على التغير الذي شهدته العلاقات الروسية الغربية نتيجة للأحداث في أوكرانيا بالقول إن مصطلح "إعادة التشغيل" بقي في الماضي، مضيفا "دخلنا مرحلة مختلة تماما من العلاقات مع روسيا".

ـ أبريل/نيسان 2014: اندلاع حرب في أوبلاست دونيتسك ولوغانسك أوبلاست بين الانفصالين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية.

ـ 20 سبتمبر/أيلول 2014: وقع ممثلو الحكومة الأوكرانية والانفصاليون برعاية روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا "اتفاق مينسك 1" في مينسك عاصمة بيلاروسيا.

ـ نتيجة لهذه الأحداث، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية ملموسة على روسيا، بينما تبنت موسكو إجراءات مضادة.

ـ على خلفية الأحداث في أوكرانيا أطلقت الإدارة الأميركية "مبادرة الردع الأوروبية" الرامية إلى تعزيز وجود الولايات المتحدة العسكري في القارة العجوز لـ"ردع العدوان الروسي"، لا سيما في شرق أوروبا.

ـ تبنى الكونغرس الأميركي مشروع قانون خاص بـ"دعم الحرية في أوكرانيا" يسمح لواشنطن بتصدير أسلحة إلى حكومة كييف.

طرد الدبلوماسيين

ـ ديسمبر/كانون الأول 2016: أصدر الرئيس الأميركي أوباما أمرا بفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، محملا موسكو المسؤولية عن "التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية" و"الضغط على الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في أراضيها".

ـ بموجب هذا الأمر تم طرد 35 دبلوماسيا روسيا وعوائلهم بشكل طارئ من الولايات المتحدة ومنع روسيا من الوصول إلى عمارتين تابعتين لممثليتها في نيويورك وسفارتها في واشنطن.

ـ أصبحت هذه الأحداث بداية لما يعرف بـ"حرب السفارات"، أي سلسلة عمليات طرد دبلوماسيين متبادلة بين روسيا والعديد من دول الغرب بمناسبات مختلفة خلال السنوات الأخيرة.

ـ الخامس من يونيو/حزيران 2017: انضمت الجبل الأسود رسميا إلى حلف الناتو في الموجة السابعة من تمدد حلف شمال الأطلسي.

ـ الرابع من مارس/آذار 2018: أعلنت بريطانيا تعرض الضابط السابق في الاستخبارات الروسية الذي سبق أن أدين بتهمة التجسس في روسيا سيرغي سكريبال، وابنته يوليا لعملية تسميم في مدينة سولسبري.

ـ حملت السلطات البريطانية الاستخبارات الروسية المسؤولية عن الوقوف وراء هذه العملية، قائلة إن المادة التي استخدمت فيها تحمل اسم "نوفيتشوك".

ـ رفضت روسيا اتهامات لندن، معتبرة إياها استفزازا دبرته الاستخبارات البريطانية أو الأميركية، وأشارت إلى أن لندن رفضت جميع اقتراحاتها لإجراء تحقيق مشترك، بالإضافة إلى منع السلطات البريطانية موسكو من الوصول إلى سكريبال وابنته (وهي مواطنة روسية) بعد تعافيهما.

 

ـ أسفرت قضية سكريبال عن أزمة دبلوماسية واسعة النطاق وفرض الغرب موجة عقوبات جديدة على روسيا، بالإضافة إلى حلقة جديدة من "حرب الدبلوماسيين"، حيث طردت لندن 33 دبلوماسيا روسيا، واتخذت معظم دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وبلدان أخرى إجراءات مماثلة، بينما ردت روسيا بالمثل.

ـ عاما 2019 و2020: انسحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من معاهدتي التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى (المبرمة عام 1987) والسماء المفتوحة (1992).

ـ أعلنت روسيا من جانبها في المقابل عن انسحابها من هاتين المعاهدتين أيضا.

ـ 27 مارس/آذار 2020: انضمت مقدونيا الشمالية رسميا إلى حلف الناتو في الموجة الثامنة والأخيرة من توسع الحلف.

أليكسي نافالني

ـ يناير/كانون الثاني 2021: عاد المعارض الروسي أليكسي نافالني إلى بلاده بعد أن أمضى 5 أشهر في ألمانيا، حيث تلقى علاجا طبيا طارئا عقب تعرضه للتسميم بغاز الأعصاب "نوفيتشوك" في روسيا.

ـ بينما كان يتجه إلى مكتب مراجعة جوازات السفر بمطار شيريميتو بموسكو ألقت موسكو القبض على نافالني، وهو العمل الذي أدانته واشنطن وعواصم غربية أخرى، وطالب الاتحاد الأوروبي ومستشار للرئيس الأميركي جو بايدن بالإفراج عنه فورا.

ـ اتهمت السلطات الروسية نافالني بانتهاك شروط حكم صدر ضده مع إيقاف التنفيذ، وانتهاكه لفترة خضوعه للمراقبة جراء إدانة سابقة، وتسعى هيئة السجون نتيجة لذلك إلى تحويل هذه الانتهاكات إلى حكم بالسجن.

ـ في بداية عهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، تمكنتا موسكو وواشنطن من الاتفاق على تمديد اتفاقية "ستارت-3" المبرمة بينهما في عام 2010 والخاصة بتخفيض الأسلحة النووية بين الدولتين.

ـ 16 يونيو/حزيران 2021: عقد الرئيسان الروسي والأميركي بوتين وبايدن أول اجتماع قمة بينهما في جنيف السويسرية، وذلك بعد فرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو.

ـ توجت هذه المحادثات بنتائج ملموسة بعثت على الأمل الحذر بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين، بما في ذلك الاتفاق على استئناف المشاورات بشأن الأمن الإستراتيجي والأمن المعلوماتي، بالإضافة إلى الاتفاق على عودة السفيرين الروسي والأميركي إلى واشنطن وموسكو بعد إجرائهما على مدى نحو شهرين مشاورات في دولتيهما.

ـ السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2021: أعلن حلف الناتو طرد 8 من أفراد البعثة الروسية لديها وإلغاء وظيفتين أخريين فيها، ما أسفر عن خفضها من 20 إلى 10 أشخاص، وذلك بدعوى ممارسة هؤلاء الدبلوماسيين الروس "أنشطة عدائية مزعومة".

ـ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021: أعلنت الخارجية الروسية في المقابل تعليق عمل بعثتها لدى الناتو لفترة غير محددة، بالإضافة إلى تعليق عمل بعثة الحلف العسكرية للاتصال في موسكو.

ـ أدى ذلك إلى تعليق الاتصالات المباشرة بين موسكو وحلف شمال الأطلسي بالفعل، خاصة أن الحوار بين الجانبين بصيغة "مجلس روسيا-الناتو" كان معلقا منذ الصيف 2019، حيث اتهمت موسكو الحلف بالتركيز على الملف الأوكراني على حساب مسائل أخرى.

ـ 21 و22 أكتوبر/تشرين الأول 2021: صادق وزراء دفاع الناتو على خطة سرية خاصة بـ"ردع العنوان الروسي المحتمل"، وأفادت وسائل إعلام بأنها تنص على تحضير الحلف لشن هجوم متزامن على روسيا في البحر الأسود وبحر البلطيق بما يشمل استخدام أسلحة نووية وفضائية وعمليات سيبرانية.

ـ جاء ذلك على خلفية تحذير روسيا مرارا من رصدها زيادة ملموسة من أنشطة الناتو العسكرية في حوض البحر الأسود في الأشهر السابقة.

ـ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: أعلن بوتين، أثناء اجتماع موسع عقد في مقر وزارة الخارجية الروسية، لأول مرة عما أطلق عليه لاحقا اسم "مبادرة الضمانات الأمنية".

ـ شدد بوتين في هذا الخطاب على ضرورة وقف الناتو تمدده شرقا وتقديم ضمانات أمنية طويلة الأمد إلى روسيا.

ـ ديسمبر/كانون الأول 2021: أعدت وزارة الخارجية الروسية بتكليف من بوتين مسودتي اتفاقيتين، الأولى مع حلف الناتو والثانية مع الولايات المتحدة، اقترحت إبرامهما لإنشاء نظام ضمانات أمنية متبادلة بغية خفض التوترات العسكرية في أوروبا.

ـ تنص هذه المبادرة على ضرورة التزام الطرفين بمبدأ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة في أوروبا وامتناعهما عن نشر منظومات هجومية تشكل خطرا على أحدهما الآخر، بالإضافة إلى مقترحات بشأن اتخاذ خطوات بهدف زيادة الشفافية والثقة المتبادلة ومنع حوادث عسكرية محتملة.

تمدد حلف الناتو

ـ طلبت روسيا من الغرب ضمانات بوقف تمدد حلف الناتو وتخلي الحلف عن وعوده بشأن انضمام أوكرانيا وجورجيا إليه.

ـ 10 و12 و13 يناير/كانون الثاني 2022: أجرت روسيا محادثات مع الولايات المتحدة والناتو في جنيف وبروكسل وفيينا، مطالبة الغرب بتقديم رد خطي على المبادرة الروسية على وجه السرعة من دون إطالة الأمر.

ـ أبدت الولايات المتحدة والناتو في ردهما رفضهما التام للتعهد بوقف تمدد الناتو، معربين في الوقت نفسه عن استعدادهما للعمل بشأن عدد من بنود المبادرة الروسية تخص الرقابة على التسلح وزيادة الشفافية.

ـ روسيا أعربت عن خيبة أملها إزاء هذا الرد، متهمة الغرب بتجاهل مباعث قلقها الرئيسية، وحذرت من التركيز على الملف الأوكراني في المشاورات.

ـ اتهمت كييف والغرب روسيا بحشد قوات عند حدود أوكرانيا، بينما حذرت موسكو من أن كييف تستقدم تعزيزات عسكرية إلى منطقة دونباس، وذلك على خلفية ارتفاع ملموس في عدد خروقات وقف إطلاق النار هناك.

ـ أجرت روسيا في الربيع تدريبات واسعة لقوات الإنزال التابعة لقوات المنطقة العسكرية الجنوبية، خصوصا في شبه جزيرة القرم، اختتمت في أبريل/نيسان الماضي بالإعلان عن عودة القوات المشاركة فيها إلى مناطق المرابطة الدائمة.

ـ أطلق الناتو أكبر مناورات له في أوروبا منذ الحرب الباردة تحمل اسم "مدافع أوروبا 21″ (Defender Europe-21).

ـ بدأت وسائل إعلام ومسؤولون غربيون بالحديث عن حشد روسيا قوات عند حدود أوكرانيا تمهيدا لـ"غزوها".

ـ بلغ تعداد مجموعة القوات الروسية عند حدود أوكرانيا 130 ألفا، بالإضافة إلى إجراء روسيا مناورات مشتركة عند حدود بيلاروسيا الجنوبية.

ـ تحدث كبار المسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا في الأيام الأخيرة عن "غزو روسي قد يحدث في أي لحظة"، بينما نشرت عدد من وسائل الإعلام الغربية تقارير عن موعد "الغزو" المتوقع ومساراته، ونشرت وكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg) بالخطأ خبرا عن بدء التدخل الروسي في أوكرانيا حذفته لاحقا.

ـ بادرت عدد من الدول -في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا- إلى إجلاء دبلوماسييها من أوكرانيا، بينما علقت عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى كييف.

ـ قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق مساعدات عسكرية إلى حكومة كييف لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة خطر "الغزو الروسي"، بينما أرسلت واشنطن ولندن قوات إضافية إلى القارة الأوروبية.

ـ من جانبها، نفت روسيا مرارا وتكرارا وجود أي نية لديها لمهاجمة أوكرانيا، مشددة على أن تحركات قواتها داخل حدودها لا تشكل خطرا على أحد.

ـ اتهمت روسيا الغرب بتأجيج هستيريا حول أوكرانيا بغية تبرير ضخ أسلحة إلى أوكرانيا ومنح حكومة كييف غطاء للتهرب من تنفيذ اتفاقات مينسك والقيام بمحاولة جديدة لحسم قضية دونباس بالقوة.

الاتحاد السوفييتي"الخاصرة الضعيفة" لتهديد روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي؛ لأنها من أكبر دول أوروبا ولأنها دولة غنية بمواردها التعدينية والزراعية والصناعية، ومن ثم حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إثارة صراعات خافتة الحدة على حدود روسيا، وتغذية التيار القومي الأوكراني المعادي لروسيا والثقافة الروسية بدعوى دعم الديمقراطية، وهو الأمر الذي يثير الغضب الروسي، وتعتبر روسيا هذا التيار بمثابة "نازية جديدة" وامتداد لتعاطف أوكرانيا مع النازية الألمانية واعتقاد أوكرانيا أو قطاع من النخبة الأوكرانية أن بلدهم أصل الجنس الآري وفق وجهة النظر الروسية.

 

 

المصدر : مواقع إلكترونية

 

 

ازدواجية المعايير

 

والحال أن المعايير المزدوجة الغربية قد أصبحت على المحك مرة أخرى، ذلك أن التدخل الغربي في أوكرانيا من خلال المستشارين والعتاد الحربي والمساعدة الاقتصادية والتحريض على ممارسة أوكرانيا لاستقلالها بالانضمام لحلف الأطلنطي وعدم الرضوخ لروسيا، قد أفضى عملياً إلى ما يراه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي تقصيراً من الغرب في حماية بلاده عند بدء العمليات العسكرية الروسية والاكتفاء بالمساعدة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، وهو ما دفع الرئيس الأوكراني إلى التصريح بإمكانية مناقشة "حياد أوكرانيا" مع روسيا. وبطبيعة الحال جاء هذا التصريح متأخراً وليس في التوقيت الملائم وسرعان ما عاد الرئيس الأوكراني إلى تبني التوجهات السابقة ذاتها على هذا التصريح.

 

تقف الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء حلف الناتو إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا موقفاً لا يتلاءم مع الخطاب الغربي المتشدد إزاء روسيا، واكتفوا بالعقوبات الاقتصادية والتي في نظرهم تشل قدرة روسيا على تمويل الحرب وتضعف من اقتصادها. وقد تدخل نتائج هذه المواجهة الروسية- الأوكرانية في إطار رسم معالم نظام دولي جديد إن في أوروبا أو العالم، بموجبه تتقلص قوة ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية واعترافها بتحول العالم إلى نظام متعدد الأقطاب، أو في الحدود الدنيا إنشاء نظام أمني أوروبي جديد يحقق لروسيا متطلبات أمنها القومي ويحفظ لأوروبا ترتيبات أمنية جديدة. وفي جميع الأحوال، فإن هذه المواجهة قد تحفل بآثار على المدى المنظور والمتوسط والبعيد لم تتبلور بعد في ضوء استمرارها.

 

الجغرافيا والتاريخ يلقيان بثقلهما في المواجهة الراهنة، ولا تملك أية قوة حيالهما شيئاً، فهما حاضران في الحالة الروسية- الأوكرانية ولا يمكن تجاوزهما، فإذا كانت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون يضيقون ذرعاً بروسيا وقوتها وامتدادها الجغرافي والتاريخي، فإن روسيا بدورها تدرك ثقل هذين العنصرين وتحاول استثمار نتائجهما وفاعليتهما على نحو أفضل لتعزيز مكانتها الجيو استراتيجية ومكانتها العالمية والدولية، وتملك من الأوراق والرصيد الاستراتيجي ما يمكنها من إعادة ترتيب الأوراق إن أوروبياً أو دولياً لصالحها.

 

أما حديث الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عن استعداد الجيش الأوكراني لمواجهة روسيا عسكريا واستنزافها أو اصطيادها في المستنقع الأوكراني، كما حدث أثناء غزوها لأفغانستان، فإنه يستدعي إلى الذاكرة حديثها لدى انسحابها من أفغانستان بقدرة الجيش الأفغاني على مواجهة طالبان وهو ما تبين أنه غير صحيح وأن التقدير كان جزافياً، غير أن الفارق بالطبع كبير بين الحالة الأفغانية والأوكرانية والروسية.

 

إذ من الواضح حتى الآن قدرة أوكرانيا على المواجهة والاستعداد للمقاومة في مواجهة الهجوم الروسي التي قد تتمدد لفترة من الزمن. فسير المواجهة العسكرية حتى الآن يشير إلى أن الجيش الأوكراني قادر على الصمود وعرقلة الخطة الروسية السريعة لإسقاط العاصمة وتغيير نظام الحكم. ومن ناحية أخرى، فإن المؤشرات في الداخل والخارج تعزز من التعويل على المقاومة الشعبية للروس واستنزاف القوات الروسية وبدء حرب شوارع قد يطول مداها وانعكاس ذلك في الداخل الروسي وزعزعة مكانة نظام الرئيس بوتين خاصة وأن الحرب على أوكرانيا تختلف عن حرب الشيشان والقرم التي اعتمدت على القوات الخاصة والانفصاليين الموالين لموسكو وليس على نشر قوات كبيرة كما هو الحال في أوكرانيا تستنزف الكثير من الموارد.

 

خطاب الحرب الباردة

قد يختلف المحللون ومنظرو العلاقات الدولية حول طبيعة المواجهة الراهنة في أوكرانيا؛ وهل هي امتداد للحرب الباردة؟ أم أنها حلقة في حرب باردة جديدة؟ أو أنها فقط "نوستالجيا" أو حنين لموروث الحرب الباردة؟. ولكن الاختلاف قد لا يكون كبيراً حول الخطاب السياسي الذي رافق الأزمة الأوكرانية- الروسية- الغربية، من الفاعلين والمسئولين الغربيين، إن من الولايات المتحدة الأمريكية أو من الحلفاء الأطلسيين، والنظر إليه باعتباره امتداداً لخطاب حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين، حيث انطوى هذا الخطاب على "شيطنة" روسيا ونزع المصداقية عن خطابها، واعتباره مجرد أكاذيب ودعاية رخيصة وسيئة السمعة، ولا تكتسب أية قيمة حقيقية أو واقعية، بل هي مجرد تبرير للطموحات الإمبراطورية الروسية سواء منها القيصرية أو السوفيتية، حتى ما يتعلق منها بالأمن القومي الروسي أو المصالح الروسية في الدائرة الحيوية الملاصقة لها جغرافياً وتاريخياً، وكأن روسيا الاتحادية قادمة من كوكب آخر، وتنتمي إلى جغرافيا أخرى، غير أوروبية وتاريخ آخر غير التاريخ الأوروبي وليس لها مشروعية إن في حماية أمنها القومي أو صياغة عقيدتها الأمنية كأي دولة كبيرة، وأن عليها التسليم دون مناقشة بما يراه التحالف الغربي والأطلسي وقبول شروطه، والترحيب بتمدد حلف الأطلسي في الدول المحيطة بروسيا للحصول على الرضا الغربي الأمريكي والأوروبي.

 

وفي هذا الخطاب الأمريكي- الأطلسي، تبدو الخطط الغربية لتوسع وامتداد الأطلسي كما لو كانت خطط "ملائكية" مسالمة، لا غبار لها أو عليها، بل ولا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها، وهي مسلمة ومقدسة وينبغي على الجميع التسليم بها دون جدال أو نقاش، ولا شك أن هذا الخطاب يعزز الانقسام والاستقطاب ويدفع به إلى أقصى الحدود الممكنة ويحول دون بناء الجسور وتعزيز الحوار والتفاهم وتأكيد قيم الاحترام المتبادل والأمن المتبادل.

 

والملفت للنظر في الخطاب السياسي الغربي الذي رافق الأزمة، ذلك التكرار لمفاهيم القانون الدولي والسيادة وانتهاك المعاهدات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والديمقراطية، وهي القيم والمبادئ والمفاهيم التي لا تحظي بمثل هذا الاحترام وهذه الأهمية في أغلب الحالات التي يكون فيها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية هم الفاعلون والقائمون بانتهاك هذه المبادئ.

 

ويمكن القول إن أخطر جوانب الهجوم الروسي على أوكرانيا يكمن في انتهاج القوة والعنف لمناصرة الأقلية الروسية والاعتراف بانفصالها في جمهوريتين مستقلتين وليس جمهورية واحدة وهي سابقة يمكن الاستناد إليها من قبل دول وأطراف أخرى تمتلك موارد القوة ومقوماتها لحث أقليات تابعة لها على الانفصال ودعمها عسكرياً وهو أمر بالغ الخطورة في ظل التداخل والتشابك القومي والعرقي والثقافي في دول عديدة على وحدة الدول وسيادتها.

 

 

التعليقات على خبر: الحرب الروسية الاوكرانيه وخطأ الحسابات  واستنساخ للتاريخ

حمل التطبيق الأن